نبذه عن الخوارزمي :
إنتاج علماء العرب والمسلمين الضخم في مجال العلوم الرياضية يوضح تمامًاالمكانة العظيمة التي وصلت إليها الحضارة العربية والإسلامية، ولا شك أنلعلماء العرب والمسلمين في هذا الحقل أثرًا لا ينكر شأنه وقدره في قيامالمدنية الحديثة التي ما كان لها أن تشب وتزدهر في بلاد الغرب لو لم تعتمدعلى أساس قوي من هذا التراث.
فتح علماء العرب والمسلمين في ميدان العلوم الرياضية بحنكة وذكاء خارقينقلوبهم وعقولهم لإنتاج الأمم السابقة لهم في هذا الحقل الحيوي، لذا تمكنواوبجدارة مرموقة من صهر هذه الإسهامات مع إسهاماتهم في بوتقة واحدة ليقدمواللإنسانية حضارة عربية وإسلامية متكاملة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن علماء العرب والمسلمين في العلوم الرياضيةاعتمدوا على الملاحظة والقيام بالتجارب والقياسات فشككوا في الكثير مننظريات قدماء اليونان الخاطئة وعدلوها، وبذلك افتتحوا الطريقة العلميةالحديثة في التفكر والبحث لمعرفة النظريات الرياضية.
لقد ظهر في صدر الإسلام في عصر الدولة العباسية جمهرة من العلماء البارزينفي العلوم الرياضية، ومنهم عالمنا (محمد بن موسى الخوارزمي).
لم يصلنا سوى القليل عن أخبار الخوارزمي، وما نعرفه عن آثاره أكثر وأهم مما نعرفه عن حياته الخاصة.
هو أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي (أبو جعفر),كان من اوائل علماءالرياضيات المسلمين حيث ساهمت اعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات فيعصره. ، أصله من خوارزم. ونجهل تاريخ مولده، غير أنه عاصر المأمون.
انتقلت عائلته من مدينة خوارزم في خراسان الى بغداد , وعاش مع اهله فيقريه صغيره تسمى قطربل , هو أصغر إخوته من البنين والبنات ، كان محمددائما مشغول الفكر بأشكال الأشياء والمسافات بينها وتقدير ارتفاعاتها وقضيمحمد عامين في دراسته للرياضيات ولنبوغ الخوارزمي في علم الرياضيات حيثذاع اسمه وانتشر صيته بعدما برز في الفلك والرياضيات. اتصل بالخليفةالمأمون الذي أكرمه، وانتمى إلى (بيت الحكمة) وأصبح من العلماء الموثوقبهم.
انجز الخوارزمي معظم ابحاثه بين عامي 813 و 833 في دار الحكمة، التي أسسهاالخليفة المأمون. و نشر اعماله باللغة العربية، التي كانت لغة العلم فيذلك العصر. ويسميه الطبري في تاريخه: محمد بن موسى الخوارزمي المجوسيالقطربلّي ، نسبة إلى قرية قُطْربُلّ من ضواحي بغداد. اللقب مجوسي يتناقضمع بدء الخوارزمي لكتابه (الجبر والمقابلة) بالبسملة.
في بيت الحكمة طور الخوارزمي الفكر الرياضي وذلك بإيجاد نظم لتحليل كل منمعادلات الدرجة الأولى والثانية ذات المجهول الواحد بطرق جبرية وهندسية،لذا يعتبر الجبر والمقابلة للخوارزمي هو أول محاولة منظمة لتطوير علمالجبر على أسس علمية منطقية.
إن الرياضيات التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان تجعل حسابالتقسيم الشرعي للتركات بين الورثة معقدًا للغاية - إن لم يكن مستحيلاً -وهذا ما دفع الخوارزمي للبحث عن طريق أدق وأشمل وأكثر قابلية للتكيف،فاستعمل علم الجبر، وقد وجد الخوارزمي متسعًا من الوقت لكتابة علم الجبرالذي جعله مشهورًا حينما كان منهمكًا في الأعمال الفلكية في بغداد.
وقد بين الخوارزمي في مقدمة كتابه (حساب الفلك والجبر والمقابلة) أنالخليفة المأمون هو الذي طلب منه أن يؤلف كتاب: (حساب الجبر والمقابلة) كييسهل الانتفاع به في كل ما يحتاج إليه الناس، وهنا نورد نص مقدمة كتاب(حساب الجبر والمقابلة):
"وقد شجعنا ما فضل الله به الإمام (المأمون) أمير المؤمنين من الخلافةالتي حاز له إرثها، وأكرمه بلباسها، وحلاه بزينتها، من الرغبة في الأدبوتقريب أهله وأبنائهم، وبسط كنفه لهم، ومعونته إياهم على إيضاح ما كانمشتبهًا وتسهيل ما كان مستوعرًا".
وقد ترك الخوارزمي عدداً من المؤلفات أهمها: الزيج الأول، الزيج الثانيالمعروف بالسند هند، كتاب الرخامة، كتاب العمل بالإسطرلاب، كتاب الجبروالمقابلة الذي ألَّفه لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهمووصاياهم، وفي مقاسمتهم وأحكامهم وتجارتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهممن مساحة الأرضين وكرى الأنهار والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه.ويعالج كتاب الجبر والمقابلة المعاملات التي تجري بين الناس كالبيعوالشراء، وصرافة الدراهم، والتأجير، كما يبحث في أعمال مسح الأرض فيعينوحدة القياس.
ويقوم بأعمال تطبيقية تتناول مساحة بعض السطوح، ومساحة الدائرة، ومساحةقطعة الدائرة، وقد عين لذلك قيمة النسبة التقريبية فكانت 7/1 3 أو 7/22،وتوصل أيضاً إلى حساب بعض الأجسام، كالهرم الثلاثي، والهرم الرباعيوالمخروط.
و لا يعتبر الخوارزمي أحد أبرز العلماء العرب فحسب، وإنما أحد مشاهيرالعلم في العالم، إذ تعدد جوانب نبوغه. ففضلاً عن أنه واضع أسس الجبرالحديث، ترك آثاراً مهمة في علم الفلك وغدا (زيجه) مرجعاً لأرباب هذاالعلم. كما اطلع الناس على الأرقام الهندسية، ومهر علم الحساب بطابع علميلم يتوافر للهنود الذين أخذ عنهم هذه الأرقام. وأن نهضة أوروبا في العلومالرياضية انطلقت ممّا أخذه عنه رياضيوها، ولولاه لكانت تأخرت هذه النهضةوتأخرت المدنية زمناً ليس باليسير .
هذا، وتظهر عبقرية "الخوارزمي " في " الزيج " أو الجدول الفلكي الذي صنعهوأطلق عليه اسم "السند هند الصغير،،وقد جامع فيه بين مذهب الهند، ومذهبالفرس، ومذهب بطليموس (اليونان)، فاستحسن أهل زمانه ذلك وانتفعوا به مدةطويلة فذاعت شهرته وصار لهذا الزيج أثر كبير في الشرق والغرب.
وللخوارزمي مأثرة أخرى، وهي أنه رسم للمأمون خريطة كبيرة للعالم المعمورعلى أيامه، كما وضع كتاباً جغرافياً بعنوان "صورة الأرض " اعتمد فيه علىكتاب المجسطي لبطليموس مع إضافات وشروح وتعليقات. وقد نشر هذا الكتابوترجم إلى الألمانية سنة 1926 م.
وشارك الخوارزمي علماء المأمون في أعمال المرصد الفلكي لمعرفة محيط الارضومساحتها وتقدير خطوط الطول والعرض ووضع حصاد هذا الجهد في كتابه الربعالمعمور والف في الجغرافيا والفلك وهو من انبغ المسلمين في الرياضةوالجغرافيا .
ولم يتفق أحد من مؤرخي العلم علي تاريخ ميلاد له أو وفاة لكن حصاد عمرالخوارزمي في علم الجبر والحساب خاصة مازال يعطي ثماره في كل زمان ومكان .
تعتبرانجازات الخوارزمي في الرياضيات عظيمة، و لعبت دورا كبيرا في تقدمالرياضيات و العلوم التي تعتمد عليها وسأذكر البعض من إنجازاته حسب مصادري:-
1- ابتكر الخوارزمي مفهوم الخوارزمية في الرياضيات و علم الحاسوب، (ممااعطاه لقب ابي علم الحاسوب عند البعض)، حتى ان كلمة خوارزمية في العديد مناللغات (و منها algorithm بالانكليزية) اشتقت من اسمه.
2- قام الخوارزمي باعمال هامة في حقول الجبر و المثلثات والفلك والجغرافية و رسم الخرائط. ادت اعماله المنهجية و المنطقية في حل المعادلاتمن الدرجة الثانية الى نشوء علم الجبر، حتى ان العلم اخذ اسمه من كتابهحساب الجبر و المقابلة، الذي نشره عام 830، و انتقلت هذه الكلمة الىالعديد من اللغات (Algebra في الانكليزية).
3- تجميع و تطوير المعلومات في مجال الرياضيات وقد كانت موجودة مسبقا عندالاغريق و في الهند، فاعطاها طابعه الخاص من الالتزام بالمنطق. بفضلالخوارزمي، يستخدم العالم الاعداد العربية التي غيرت و بشكل جذري مفهومناعن الاعداد، كما انه قذ ادخل مفهوم العدد صفر، الذي بدأت فكرته في الهند.
4- صحح الخوارزمي ابحاث العالم الاغريقي بطليموس Ptolemy في الجغرافية، معتمدا على ابحاثه الخاصة.
5- اشرف على عمل 70 جغرافيا لانجاز اول خريطة للعالم المعروف آنذاك
6- عندما اصبحت ابحاثه معروفة في أوروبا بعد ترجمتها الى اللاتينية، كانلها دور كبير في تقدم العلم في الغرب، عرف كتابه الخاص بالجبر اوروبة بهذاالعلم و اصبح الكتاب الذي يدرس في الجامعات الاوروبية عن الرياضيات حتىالقرن السادس عشر.
7- كتب الخوارزمي ايضا عن الساعة، الإسطرلاب، و الساعة الشمسية.
8- هو من وضع أسس حساب علم اللوغاريتم، ونسبة له سمي هذا العلم بهذا الاسم.
9- الخوارزمي أول من أطلق تسمية ”سهم” على الخط النازل من منتصف القوس على الوتر، وتوصل إلى حساب طول الوتر بواسطة القطر والسهم.
10- وضع طرقاً تطبيقية لمعرفة مساحة المسطحات ومساحة الدائرة ومساحة قطعةالدائرة ومساحة المثلثات، وتوصل إلى حساب حجم الهرم الثلاثي وحجم الهرمالرباعي وحجم المخروط.
11- وضع طريقة لضرب الجذور وطريقة لقسمتها بلغة العلم الحديث.
12- هو من أطلق تسمية ”الأعداد الصمَّاء” على بعض الأعداد، وتُرجم هذا التعبير حرفياً إلى اللغات العالمية.
13- وضع الخوارزمي مصطلحات لمعادلات من الدرجة الأولى والدرجة الثانية وأوجد حلولاً لها.
14- هو أول من أبدل علامة الحد (- أو +) عند نقلها من أحد جانبي المعادلةإلى الجانب الآخر، وأوجد طريقة الضرب، وشرح عملية ضرب الأقواس وتوصَّل إلىمعرفة حاصل ضرب علامات الجمع والطرح (- ´ + = -)، (- ´ - = +)، (+ ´ + =+).
15- أظهر الخوارزمي مقدرة فائقة في فهم واستيعاب إمكانيات الجبر الواسعةواستطاع حل المسائل الهندسية بطرق جبرية، وتنبَّه للحالة التي يستحيل فيهاإيجاد قيمة حقيقية للمجهول وسماها ”المسائل المستحيلة”، وبقي هذا المصطلحمتداولاً في أوروبا حتى أواخر القرن الثامن عشر، إلى أن استبدل ”بالجذورالتخيلية”.
16- برع بشرح كيفية إدخال الأعداد تحت علامة ( ?) وكيفية استخراجها من تحتها.
17- حدَّد قيمة النسبة التقريبية ? وجعلها 22/7، وأوجد طرقاً عديدة لم تكنمعروفة في عصره لمعالجة المعاملات بين الناس (كالبيع والشراء والتأجيروالإرث ومسح الأراضي..).
18- أسهمت مؤلفات الخوارزمي إسهاماً فعالاً في تطور الحضارة العلميةالعالمية خاصة كتابه “الجبر و المقابلة” الذي له أهمية خاصة في تاريخالرياضيات، حيث تُرجم هذا الكتاب إلى معظم اللغات العالمية وكان المرجعالأساسي لدارسي الرياضيات في الجامعات الغربية خلال القرنين الخامسوالسادس عشر.
وقد ترجم جيرارد قرمونة كتاب (حساب الجبر والمقابلة) للخوارزمي إلى اللغةاللاتينة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وظل كتابالخوارزمي في الجبر معروفًا في أوروبا باللغة اللاتينية، ولكن في سنة1247ه (1831م) عثر على نسخة باللغة العربية في مكتبة(بودلين) في اكسفوردفي بريطانيا ونشرت بالحروف العربية في العام نفسه ليس فقط في أوروبا ولكنفي العالم العربي والإسلامي.
لقد أوحى الخوارزمي بفكرة المحددة التي تعتبر من أهم موضوعات الجبرالحديث، ثم قام العالم الياباني (سيكي كاو) (1642 1708م) بتطويرها، وليسكما يدعي علماء الغرب من أن (ويلهم ليبنز) الألماني (1646 1716م) هو مبتكرالمحددة، غير أن العالم الفرنسي (اوقستين لويس كوشي) (1789 1857م) عممالمحددة وطبقها على الحياة العلمية.
لقد استعمل الخوارزمي طريقة البنائية لإيجاد جذر المعادلة بكل نجاح، لذافإن الخطأ بين موضوعين يعتبر من ابتكار الخوارزمي، وهذه الطريقة أدت دورًامهمٌّا في التحليل العددي، وتعرف في اللغة الإنجليزية باسم False positions
كما عرّف الخوارزمي الوحدة المستعملة في المساحات، واستخدم (التكسير)ويقصد بذلك المساحة، سواء كانت سطحية أو حجمية.. وأيضاً تطرق إلى إيجادمساحات بعض السطوح المستقيمة الأضلاع والأجسام، والدائرة، والقطعة، والهرمالثلاثي والرباعي، والمخروط، والكرة، واستعمل النسبة التقريبية وقيمتها ط= 8/22 أو 10 لذا فإن الخوارزمي قد أثرى علم الجبر باستعماله بعض الأفكارالجبرية لمعرفة المساحة.
كان يعرف أن هناك حالات يستحيل فيها إيجاد قيمة للمجهول (الكمياتالتخيلية) وسماها الحالة المستحيلة، وبقيت معروفة بهذا الاسم بين علماءالرياضيات حتى بدأ العالم السويسري المعروف ليونارد أويلر (1707 1783م)وعرف أويلر الكميات التخيلية بأنها الكمية التي إذا ضربت في نفسها كانالناتج مقدارًا سالبًا وأعطى كثيرًا من الأمثلة على هذا.
ثم جاء العالم الألماني كارل قاوس (1777 1855م) فركز على دراسة الكمياتالتخيلية وخواصها وبلورها والجدير بالذكر أن الكميات التخيلية قادت فيالنهاية إلى معرفة التحليل المركب الذي يعتبر من أهم العلوم الرياضية فيالعصر الحديث.
ومما لا يقبل الجدل والتأويل أن الفضل يرجع أولاً وأخيرًا لله تعالى ثمللعالم الإسلامي محمد بن موسى الخوارزمي ثم لعلماء الغرب الذين طوروا فيالكميات التخيلية حتى وصلوا بها إلى أن صارت علمًا مستقلا يعرف بعلمالتحليل المركب. رحم الله علمائنا الأفذاذ جزاء ما قدموا لنا.